(بعد اسبوع من اخر فصل)
جو بارد، غيوم سوداء، والثلج بدأ بالتساقط من السماء.
جيني مع صديقاتها الجديدات وميرا التي جاءت لزيارتهن بكوخهن الصغير الدافئ يلعبن لعبة طاولة.
نيكولاس جالس بالخارج مع ألكسندر بعدما طلب منه مراقبته من قبل ماركوس.
جيسي وإيثان واقفان خارج الكوخ مستمتعان بمنظر الثلج المتساقط.
ظل إيثان ينظر إلى الثلج بانبهار وذهول من غرابة وجمال هذا المنظر الخلاب رغم البرد القارس الذي يحس به.
لاحظ جيسي أنه يلبس فقط ملابس خفيفة بيضاء ملطخة بالأوساخ والدماء، لذلك قام بالدخول للكوخ وأحضر الملابس التي اشتراها سابقاً، اقترب من إيثان ثم قدمها له قائلاً: "ارتدِ هذا فالبقاء بهذه الملابس في هذا الجو مضر لك".
نظر إيثان إلى الملابس ثم نحو جيسي ليؤشر له بعدها بالموافقة ويرتدي الملابس التي قدمها له فوق ملابسه المتسخة.
نظر جيسي نحوه بصمت لبضعة ثوانٍ قبل أن يبدأ بالضحك عليه بشكل خفيف: "هههههههههههههه أنت ترتدي قميصك بشكل خاطئ إنه مقلوب، هههههه دعني أساعدك"
نزع جيسي قميص إيثان المقلوب وقام بتعديله له قبل أن يعيد إلباسه له بشكل صحيح.
بقي إيثان ينظر ويتفحص قميصه الجديد متحسساً دفأه ورائحته الجميلة لبعض من الوقت، لينظر بعدها ناحيته بابتسامة بسيطة ولطيفة مؤشراً نحوه بسعادة بالموافقة مظهرا اسنانه التي تشافت للأفضل عن اخر مرة في حين قال جيسي بإندهاش"يا للغرابة!لقد شفيت اسنانك بسرعة يا صغير"
أعاد إيثان أنظاره ناحية الثلوج المتساقطة، بينما ظل جيسي يراقبه بابتسامة ممزوجة بالارتياح و الامل وعيناه تعكسان ارتياحاً لم يشعر به منذ زمن، تأمل ملامح إيثان الطفولية السعيدة تحت ضوء الثلج المتساقط والسعادة تغمر وجهه كونه ساهم بعيش هذا الفتى حياة هادئة بهذا الجحيم.
تنفس جيسي بعمق، كأن قلبه أفرغ بعضاً من حمله فقط برؤية إيثان دافئاً، ثم قال داخل نفسه: "لم يمر شهر منذ تعرفت على الفتى، لكنني بالفعل بدأت أراه مثل أخي الصغير... لا مزيد من الوحدة بعد الآن" ثم نظر نحو الثلوج المتساقطة والراحة والسعادة تزداد على وجهه: "حياة طبيعية تقريباً... القليل من الأمان، هناك بعض الخطر بالمهام لكن على الأقل أقضي وقتاً جيداً مع أصدقائي الجدد ولو كان عصيباً"
فجأة ومن دون سابق إنذار سُمع صوت تحطم قوي ناحية البوابة الرئيسية كاسراً الهدوء والسلام مفزعاً الجميع بالأرجاء.
ظهرت تعابير القلق والتوتر على وجه جيسي في حين أن إيثان لم يُعِر الأمر أي اهتمام كبير واستمر بالنظر ناحية الثلوج.
فجأة مرت ميرا من جانبهم بينما تركض بكل سرعتها، وقبل أن يستوعب جيسي الوضع، تحولت يد ميرا إلى شيء أشبه بالمجسات متمددة بسرعة نحو جيسي وإيثان ساحبة كليهما على الفور ناحيتها.
رمق جيسي مجسات ميرا باستغراب وذهول بينما يقول بنبرة مصدومة: "مهلاً لحظة ما هذا الشيء؟"
صرخت ميرا عليه قائلة: "توقف عن التساؤل فلنر أولاً ما الذي حدث".
وصلوا إلى مكان الصوت ليتفاجأوا بأن البوابة محطمة بالكامل وفي منتصفها شاحنة عملاقة مقلوبة على جانبها.
كانت البوابة محطمة بالكامل وفي منتصفها شاحنة عملاقة مقلوبة على جانبها الأيسر وفي مقدمتها تحطم خفيف للداخل.
بينما كان المواطنون متجمعين حول الشاحنة محاولين فتح حاوية الشاحنة.
شقت ميرا طريقها نحو الشاحنة محاولة معرفة ما حدث بينما ظل جيسي وإيثان واقفين في مكانهما ينظران نحو بعضهما البعض باستغراب ونوع من الخوف.
اقتربت ميرا من الشاحنة، بينما انفتح باب المقعد الأمامي تزامناً مع وصولها، لتخرج منه امرأة شابة ذات شعر داكن طويل ترتدي معطفاً طويلاً قاتم اللون، بوجه مليء بالجروح والدماء تسيل من كل أنحاء جسدها وكأنها خرجت من معركة حياة أو موت.
نظرت نحو ميرا بصعوبة بعينيها السوداوين قبل أن يُغمى عليها من تفاقم الجروح.
بدت على وجه ميرا تعابير من الصدمة ثم أسرعت بإخراج الفتاة من الكرسي بينما تصرخ بنبرة من التوتر والذهول: "ماريا!!؟؟ إنها حية!"
ثم بسرعة خاطفة أمسكت ماريا بمجساتها وتوجهت بسرعة خيالية ناحية المستشفى دون نطق كلمة واحدة.
رجوعاً إلى جيسي الذي لا يزال واقفاً في مكانه يراقب ميرا بهدوء وذهول بينما يفكر: "من هذه الفتاة بجدية؟، هي تقوم بتحويل يديها لمجسات ولا يبدو أنها تقلق من استخدامها بالعلن، هذا يعني أنه على الأغلب أن الجميع يعرف عن هذا ورغم ذلك لا يقومون بأي تصرف عدائي تجاهها مما يثبت أيضاً أنهم غير مهتمين بذلك... بجدية ما كل هذا".
التفت ناحية مكان إيثان لكنه تفاجأ بعدم تواجده بمكانه المعتاد.
نظر يميناً وشمالاً بتوتر ليجده بعدها بجانب حشود الناس المتجمعين حول الشاحنة.
اقترب جيسي بخطى سريعة وهو ينادي بهمس متوتر: "إيثان! ماذا تفعل هناك؟ عُد إلى هنا!".
لكن الفتى لم يتحرك، كان واقفاً في مكانه بلا حراك، يحدق داخل حاوية الشاحنة المفتوحة بعيون متوسعة، وكأن شيئاً ما شد انتباهه بالكامل.
زاد قلق جيسي، فاندفع نحو إيثان وأمسكه من ذراعه وهو يقول بنبرة منخفضة ومشدودة: "أخبرتك بأن تبتعد، أبعد نفسك عن المشا_".
لكن فجأة قُوطعت كلماته من صوت ضرب قوي ناحية الحاوية، صوت وكأنما هناك شخص بالداخل يحاول كسر الحاوية بالقوة.
ابتعد جميع من كان قريباً، إذ سيطر عليهم الرعب والتوتر مما يمكن أن يتواجد داخلها.
نظر إيثان بفضول ناحية الحاوية ثم بدّل أنظاره ناحية جيسي، ليجد التوتر والجدية مسيطرين على ملامحه، أدخل يده ببطء ناحية لباسه مخرجاً منه مسدسه استعداداً لأي خطر محتمل.
... ما إن أخرج جيسي سلاحه حتى انبعث صوت صرير معدني قوي، تبعه اندفاع عنيف لباب الحاوية وهو يُفتح بقوة ليضرب جانب الشاحنة المهشم.
ليخرج بعدها رجل ضخم ذو بنية عضلية قوية ورأس أصلع من السيارة مرتدياً ملابس سوداء بالكامل من أسفل قدميه إلى أعلى عنقه، وفي رأسه جرح واضح على مرأى البصر.
مسح الرجل عينيه بانزعاج قائلاً بصوت خشن: "أععع أخيراً بعض السكينة... كلا تلك الفتاة ألا تستطيع حتى القيادة بشكل صحيح". ثم نظر ناحية الناس الذين كانوا متجمعين حوله بذهول.
تقدم أحدهم قائلاً بنبرة من الصدمة: "مهلاً لحظة؟ أليس هذا يحيى؟"
رد عليه واحد آخر: "أوه صحيح! إنه نفسه!"
لتتعالى بعدها الضوضاء بالمكان وكأنهم جميعاً يعرفون من هو.
ظهرت ابتسامة كبيرة على وجه يحيى ثم تكلم قائلاً بنبرة من الصدمة والحماس: "أوههههههههه لقد رجعنا للقرية، أخيراااا".
التفت إلى وراء ونادى بصوت مليء بالأمل والحماسة: "لوك انهض!!! لقد رجعنا للقرية".
لم يمر سوى بضع ثوانٍ حتى سُمع صوت خطوات داخل الجهة المظلمة بالحاوية مقتربة ناحية المخرج.
خرج من الحاوية رجل آخر، أقصر من يحيى بكثير، ذو شعر كثيف وفوضوي بلون أسود، وعينين باردتين واضحة عليهما التعب الدائم، ذو جسد هزيل، مرتدياً سترة سوداء ممزقة عند الأكمام، مرقعة بخيوط مختلفة الألوان، وتحتها قميص رمادي باهت التصق بجلده من شدة العرق والغبار. سرواله كان عسكرياً، واسعاً، ملطخاً ببقع زيت ودم قديم.
خرج لوك من الحاوية دون نطق حرف واحد، وقام بتخطي جموع الناس متوجهاً بعيداً عنهم دون كلام، مما جعل جيسي يشعر بنوع من الاستغراب نحو ذلك الشخص لكن البقية لم يبد عليهم الاستغراب.
تقدم أحد العامة وقال موجهاً كلامه ليحيى بذهول وتساؤل: "ما الذي حدث لكم يا رجل؟! أسبوع كامل منذ اختفيتم!! لقد ظنناكم ميتين"
خرج يحيى من الحاوية وفي وجهه ملامح الغضب قائلاً بنبرة ساخطة: "كله بسبب تلك الأنثى وغبائها، اتبعناها وها نحن ذا كنا سنموت"
رد عليه نفس الشخص متسائلاً: "ماذا؟ ما الذي حدث لكم؟"
رد عليه يحيى في الوقت الذي بدأ بفتح أبواب الحاوية بالكامل: "اسكتوا الآن ليس لي مزاج لقول أي شيء، فقط قوموا بعملكم"
وفور فتحه للحاوية استطاع الجميع رؤية مجموعة من الصناديق المبعثرة بالأرجاء.
التفت يحيى نحوهم ثم أشار بإبهامه نحو الصناديق بالداخل قائلاً: "لم نأتِ خاليي الوفاض على الأقل." ثم بدأ بالمشي بعيداً عن حشود الناس الذين بدؤوا بحمل الصناديق وتنظيمها بعيداً عن الشاحنة.
في هذه الأثناء وصل ماركوس إلى مكان الحدث موجهاً أنظاره ناحية الشاحنة ثم الناس وهم ينظمون الصناديق في هذا البرد القارس، ليبدأ بالمشي ببطء تجاههم بهدوء، وقد لفّ نفسه بمعطف داكن يصل حتى ركبتيه، تعلوه طبقات من الوبر والثلج.
توقف أمام أحد الرجال العاملين الذي بدت عليه الصدمة فور رؤيته له، قائلاً بينما تعلو على ملامحه نوع من الخوف: "أوه!.. مرحباً أيها القائد".
ظل ماركوس واقفاً بصمت لمدة ثوانٍ ناظراً نحو الصندوق ثم نحو الرجل ثم قال بنبرة هادئة: "ما الذي حدث؟"
رد عليه الرجل وفي نبرته توتر مكبوت: "... الفرقة التي أُرسلت لمدينة الضباب الأسبوع الفائت قد رجعت"
رد عليه ماركوس بهدوء وكأن كلامه لم يُثر اهتمامه: "جيد، يبدو أنهم لم يأتوا خاليي الوفاض... ما الموجود بالصناديق؟"
ارتبك الرجل قليلاً ونظر نحو الصناديق المكدسة ثم أجاب متردداً: "إنه طعام معلب حسب ما رأيت وبعض البذور والأسمدة"
اقترب ماركوس من أحد الصناديق ببطء ثم قام بفتحه، ثم مد يده وسحب علبة من الطعام المعلب ثم قال بنبرته المعتادة: "هذا جيد، قم بوضعه بالمخزن"
أومأ الرجل بسرعة: "مفهوم، سأخبر البقية حالاً"
ابتعد الرجل نحو الآخرين لينبههم بأوامر ماركوس، بينما بقي ماركوس في مكانه متفحصاً المكان بهدوء.
مرّر ماركوس أنظاره نحو يحيى الذي كان متوجهاً ناحيته بخطوات بطيئة ومتعبة.
بعد وصوله قال يحيى له بنبرة ضجرة لكنه يحاول إخفاءها: "ماركوس... أتمنى أنك جهزت لنا أجراً مضاعفاً على تعريض حياتنا للخطر ومردودنا الجيد"
رد عليه ماركوس في الوقت الذي بدّل نظره نحو الشاحنة: "مع مردودكم هذا حتى ولو كلف الأمر أسبوعاً فأنتم تستحقون زيادة بالأجرة بالتأكيد، لكن مع قيامكم بتحطيم البوابة فطلبك مرفوض."
رد يحيى عليه بانفعال وتعابير الغضب ظاهرة على وجهه: "ما الذي تقوله!! لقد عرضنا حياتنا للخطر من أجل مهمتك هذه وبالأخير لن نحصل حتى على مكافأة جراء هذا؟ حتى ولو، فتلك مشكلة ماريا هي من كانت تقوم بالقيادة وليس مشكلتنا هي من يجب أن تتحمل المسؤولية"
توقفت عينا ماركوس للحظة عن مراقبة الشاحنة، وأدار جسده ببطء ناحيته، ثم قال بصوت هادئ: "يمكننا التفاوض عن هذا لاحقاً، الآن فلتذهب لتقديم تقرير لكل ما حدث في مهمتكم"
هدّأ يحيى من غضبه قليلاً ثم رد عليه: "من الواضح أن لوك قد ذهب لتقديم التقرير، أما ماريا فلا أعرف أين هي، لقد كانت بالمقعد الأمامي لكنها اختفت (تنهد) أتمنى لو أنها تموت"
رد عليه ماركوس محاولاً إنهاء الحديث: "ماريا قد تم أخذها للمستشفى من ميرا مسبقاً، الآن اذهب لمركز القرية سآتي إليكم قريباً"
أخذ يحيى نفساً عميقاً ثم استدار مبتعداً بخطى هادئة نحو مركز القرية، تاركاً خلفه ماركوس الذي ظل واقفاً يراقب سير الأعمال بصمت، و صوت ضحكات إيثان و جيسي اللذان كانا يلعبان بالثلج مع بعض الأطفال تتعالى من خلفه، ممزوجة بصوت البراءة ودفء اللحظة رغم تناقض الأجواء.
من جهة أخرى ووقت آخر في مكان ما أشبه بالمستشفى، كانت ميرا جالسة بالخارج فوق أحد الكراسي، أصابعها متشابكة، وركبتاها ترتجف من القلق، تنظر نحو باب الكوخ التي فيه ماريا كل بضع ثوانٍ وعيونها محمرة من البكاء.
فور خروج ألكسندر من الباب قفز قلبها من مكانه وقالت له بنبرة يملؤها التوتر: "ماريا! ماريا أهي بخير!!"
نزع ألكسندر نظارته وقام بحك عينيه بينما قال بنبرة هادئة: "استرخي حالتها ليست بذلك السوء، فقط مجموعة من الجروح بالرأس والبطن واليدين، مع مجموعة من الأصابع المكسورة."
ردت عليه ميرا بانفعال: "هذا ليس بذلك السوء!!!؟؟"
قاطعها ألكسندر أثناء ما أرجع نظارته لعينيه قائلاً: "المهم أنها لا تزال على قيد الحياة، وذلك راجع على الأغلب للوسادة الهوائية بالشاحنة مما خفف عليها أي أضرار خطيرة (كحة) لكن الشيء الغريب هو أن الإصابات ليست ناجمة أساساً من الاصطدام"
ردت عليه باستغراب: "ماذا؟ إذاً ما سببها؟"
رد عليها: "لا أعرف، لكن على الأغلب قد هوجمت من قبل تلك المخلوقات"
ردت عليه بعدما قل التوتر من ملامحها: "المهم أنها على قيد الحياة"
رد عليها بعدما أفسح لها المكان للدخول: "أجل وبإمكانك التحدث معها الآن"
فور انتهاء ألكسندر من كلامه كانت ميرا قد دخلت بالفعل إلى الداخل.
دخلت ميرا إلى الغرفة الصغيرة المضاءة بضوء الشمس المتسلل من الشبابيك. حيث كانت ماريا مستلقية على سرير ضيق هي ومجموعة من المرضى الآخرين، رأسها ملفوف بضمادات بيضاء ويداها مثبتتان بجبائر صغيرة، تصرخ على نيكولاس الجالس أمامها الذي كان يأكل من وعاء مليء بالتفاح
"أنت أيها المتخلف ضع الطبق جانباً إنه لي... أتسمعني حتى يا عديم الإحساس" لتتوقف بعد ذلك عن الكلام بعد أن لاحظت ميرا الواقفة أمام الباب، نظرت إليها بنظرة من الاستغراب قائلة: "لماذا تنظرين إلي هكذا؟ بالإضافة أخرجي هذا الحقير اللعين من هنا"
رد عليها نيكولاس باستهزاء: "أيتها المجنونة اصمتي لم يقل لك أحد أن تقومي بسبي عند استيقاظك"
فجأة انطلقت ميرا ناحية ماريا محاولة معانقتها قائلة وهي تبكي من سعادة: "مارياااااااا!! أنت حية"
لترد عليها ماريا صارخة بانزعاج: "ابتعدي عني أيتها الداهية كل شيء بجسدي يؤلمني أنت فقط تزيدين الأمر سوءاً"
تولت ميرا عنها بفزع ثم قالت بنبرة قلقة: "آسفة... أنا فقط كنت قلقة عليك..... لقد ظننتك ميتة"
ردت ماريا بسخرية وعصبية: "وها أنا ذا حية وواااو، الآن اقتلي هذا الأسود الحقير الذي بجانبي"
رد عليها نيكولاس ووجهه ضحكة استهزاء: "لا، لا أريد"
نزعت ميرا صحن التفاح منه، وقامت بإبعاد كرسيه عنها بسرعة، لدرجة أن نيكولاس بالكاد استوعب الموقف، وقالت له بنبرة غاضبة: "اخرج من فضلك"
وقف نيكولاس ببطء وهو يحدق في ميرا بنظرة غضب مكتومة، ثم قال بصوت منخفض: "أنت محقة، لا أريد أن أبقى هنا مع هذه المجنونة أكثر من ذلك" وخرج من الغرفة.
التفتت ميرا نحو ماريا التي كانت تراقب الموقف بابتسامة راضية على وجهها المضمد.
"ههههه أحسنت ميرا النظر إلى وجهه المشوه ذاك عند غضبه يجعلني أفضل، هيا ناوليني تفاحة"
أخذت ميرا نفساً عميقاً تحاول به تهدئة أعصابها، ثم تنهدت وهي تأخذ تفاحة من الصحن وتناولتها لماريا قائلة: "لقد أقلقتني حقاً... غبية ما بالك ألا تستطيعين القيادة؟! لقد حطمت البوابة وكدت تقتلين نفسك!"
أخذت ماريا التفاحة وبدأت تقضمها ببطء، مغمغمة بفم ممتلئ: "نعم لا أستطيع القيادة، ما الذي تتوقعينه؟ عمري 19 فقط، وزيادة على ذلك الفرامل كانت معطلة لم أستطع فعل شيء، المهم أنني على قيد الحياة أوليييييي"
ردت عليها ميرا بسخرية: "تبدين كقرد أعور وتقولين إنك بخير، توقفي عن الهذر"
بدأت الفتاتان بالضحك، خاصة ماريا التي كانت على وشك الاختناق لولا مساعدة ميرا لها.
"هخهخهخهخهخهخ، هاااا أحب نكاتك السيئة"
ردت عليها الأخرى بمرح: "وأنا أحب تفاعلك عليها"
عم الصمت لعدة لحظات قبل أن تتكلم ماريا: "أعطيني تفاحة أخرى".
نظرت ميرا ناحية الوعاء ثم قالت بعدما أرجعت أنظارها ناحيتها: "لقد انتهى"
ردت ماريا بإستغراب: "ها؟"
أرت ميرا لها الوعاء الفارغ بينما رفعت كتفيها بسخرية، قبل أن تظهر تعابير الغضب على وجه ماريا التي بدأت بالأنين بعصبية واحتقار: "سأقتله! أقسم إن عدت لرؤيته سأخنقه حتى بعينيّ!"
أثناء ذلك كان نيكولاس واقفاً بالخارج ينظر إلى الأرض، أصابعه متشابكة وعلى وجهه ملامح الهم والتفكير، وكأنه متردد في اتخاذ قرار ما، بالكاد يسمع شيئاً سوى أصوات العزيمة والجدية بين أذنيه.
"قد حان الوقت... لا يجب أن أتردد أو أتباطأ، فقد تأخرت كثيراً عنها..."
وضع يديه على وجهه بهدوء وملامح الجدية تسيطر على ملامحه: "حان الوقت لوضع حدٍ لهذا الضعف... لا توجد مبررات ولا أحتاج للمبررات، لدي ما أحتاج وها هو الوقت قد حان"
نهض على قدميه بوجه تملؤه الجدية والعزيمة، نزع الضمادات التي كانت تغطي عينيه مظهراً عينه العمياء المحاطة بجلد محروق من آثار معركة قديمة، مُظهراً عينيه اللامعتين بتصميم لا يشوبه تردد.
(يكمل)