جلس ديفد وحده في الغرفة الحجرية الباردة، وقد سكنت الأصوات خارج الجدران.
لم يكن النور قد انكسر تمامًا في السماء، لكن الظلال التي ترقص على الحائط كانت كافية لتشعل عقله بالأسئلة.
الآن، بعد أن خرج من مواجهة المجلس مهانًا، مكسوًا بالعار… لم يعد بوسعه تأجيل التفكير.
(ما الذي سأفعله الآن؟)
نظر إلى كفه الملطخة بآثار الضغط.
يده نفسها التي كتبت أول فصل… هي الآن نفس اليد التي ترتعش من رؤية الشخصيات وقد أصبحت من لحم ودم.
تمتم في داخله، كما لو يحدّث كاتبًا آخر داخله:
(أنا من صنعتُ هذا. كلّهم… خرجوا مني.)
**
بدأ يحصيهم… لا كأصدقاء، بل كقنابل موقوتة.
ليون دارفال.
الوريث الفخور لعائلة دارفال النبيلة. طويل، عريض الكتفين، وسيم كصورة منحوتة في كنيسة. يمتلك موهبة A في استخدام المانا النقية، وقدرة على تحفيز أجساد الآخرين بسحر "الشرارة البيضاء".
(شخصية كنتُ فخورًا بكتابتها… حتى جعلته يكره ديفد من أول ظهور له.)
ليون لا يهاجم دون سبب. لكنه لا يرحم من يراهم "مُفسدين للخير".
وديفد؟ كان تجسيدًا للفساد في نظره.
**
أليسا ميردولين.
شقراء صامتة، ذكية، موهبتها SS في "السحر العقلي"، تملك قدرة نادرة على اختراق الذكريات، قراءة النوايا، والتحكم في الإدراك اللحظي.
(أليسا… كتبتُها لتكون مرآة الألم المكبوت. شقيقتها ماتت في حرب النبلاء، واعتقدت أن ديفد كان سببًا مباشرًا.)
نظرتها لا تُظهر غضبًا، لكنها تستطيع سحقك من الداخل قبل أن ترفّ جفنها.
**
كاين سولاريوس.
فتى النار المجنون. يمتلك تصنيف S، وسحره غير مستقر. مزاجي، عنيف، ويميل للحلول الدموية.
(كتبته ليكون عدوًا لديفد، ثم تجاوز كل خصومه ليصبح خصمًا للجميع.)
هو لا يحتاج مبررًا ليحرقك.
وجود ديفد بجانبه كافٍ لبدء القتال.
**
ثم… توقف ديفد.
أغمض عينيه.
وفي عتمة ذهنه، تجلى هو.
البطل الحقيقي.
(الشخصية الوحيدة… التي تمنيت لو كنتُ مثلها.)
**
فتى بلا نسب. من عامة الشعب.
لكنه وُلِد بعيونٍ ذهبية، لا ترى المستقبل… بل تعود بالزمن من بعد الكارثة.
شعره أسود كفحم ليلي. بشرته بيضاء كثلج الجنوب.
هدوءه لم يكن برودًا، بل كمن رأى الموت وعاد يحمل إنذاره.
**
ديفد كتب اسمه في الرواية:
إيرين فالستين.
**
إيرين لم يكن قويًا فحسب.
كان يحمل تصنيف SSS، موهبة "الارتداد الزمني"، التي تسمح له بإعادة جسده للحظات قبل الموت، مرارًا وتكرارًا، حتى يجد الطريقة الوحيدة للنجاة.
لم يكتب ديفد ظهوره إلا بعد أن تصل المملكة لحافة الانهيار.
(لكن الآن… لا أعلم متى سيظهر. أو إن كان قد ظهر فعلًا دون علمي.)
**
نهض واقفًا، وبدأ يتمشى ببطء داخل الغرفة الضيقة.
(أنا… أمام ثلاث خيارات.)
رفع إصبعًا:
"الأول: أن أهرب."
لكن الهرب مستحيل. المراقبة صارمة. حتى عقله لا يشعر بالأمان.
(الثاني: أن أواجه… لكنني أضعف من الجميع.)
موهبته الأصلية؟ F.
أدنى تصنيف في المملكة.
لهذا السبب في الرواية الأصلية، بدأ ديفد يبحث عن المانا السوداء، والسحر المحرّم، لكي يُعوّض ضعفه بالدم.
**
ثم قال، وكأن كلماته توجع:
"الخيار الثالث… أن أعيش مثلما كان ديفد الأصلي يعيش."
صمت.
(لكن… هذا أخطر من كل شيء.)
لأن ديفد الأصلي كان مجنونًا. قاسيًا. شخصًا لا يثق به أحد.
أن يعود للعب هذا الدور… يعني أن يعيش على شفير الهاوية.
**
ثم جلس مجددًا، وأخذ نفسًا عميقًا.
(لكن حتى هذا الدور… قد يمنحني وقتًا. وقتًا يكفي لأفهم ما تغيّر.)
رفع بصره نحو السقف، والتمعت عيناه الأرجوانيتان بشيء من القلق.
(في قصتي… أنا الكاتب. لكنني لم أعد أتحكم في النص.)
ثم همس في داخله:
"ما الذي يفعله إيرين الآن…؟"
**
وفي مكانٍ آخر من الأكاديمية، في جناح الطلبة الجدد، كان إيرين فالستين يستعد لأول تدريب له، يحمل حقيبته البالية، وينظر إلى جدران المكان كأنه يعرفها مسبقًا.
لكنه لا يبتسم.
فالزمن الذي عاد إليه… كان أسوأ مما ظنّ
**
كان الصباح باردًا على نحو غير معتاد.
نسيم خفيف يتسلل من النوافذ المرتفعة في الممرات الحجرية، كأن الأكاديمية تتنفس بصمت… وتراقب.
وقف ديفد أمام المرآة الصغيرة في غرفته.
نظر إلى وجهه، كأنه يراه للمرة الأولى.
شعره الأبيض الطويل، يتدلّى بلا نظام.
عيناه الأرجوانيتان، حادتان كأنهما نصلان.
وفي الجهة اليسرى، بجانب عينه، تقف الندبة كجملة اعتراضية في وجه الزمن.
(هذا الوجه… لا يُنسى.)
همس لنفسه:
"اللعنة عليك، ديفد الأصلي… صنعتَ مظهرًا لا يشبه إلا الكوابيس."
**
فتح درج المنضدة.
داخله ثلاث أدوات:
خاتم كورماستون القديم، محفور عليه شعار العائلة: قوة، إرادة، موت. ورقة صغيرة بها خريطة فصول الأكاديمية، كتبها في الرواية. كتيبٌ ممزق، يُدعى "سياسات الأكاديمية تجاه السحر المحرّم"، نسخه من الفصل السابع في روايته.
أخذ الورقة.
نظر إليها جيدًا.
(الفصل القادم يبدأ في ساحة التدريب الشرقية.)
تردد للحظة.
ثم قرأ الملاحظة التي كتبها منذ زمن، حين كان مجرد كاتبٍ فقير في عالمه الحقيقي:
"في هذا الفصل، يبدأ التحوّل. الشخصيات تلتقي للمرة الأولى، والأقنعة تبدأ بالسقوط."
ضحك مرًّا.
"لكن… لم أكن أعلم أنني سأكون أحد الذين سيسقط قناعهم."
**
خرج إلى الممر.
الطلاب يتحركون ببطء، بعضهم يتجاهله، بعضهم يهمس، قليل منهم يبتعد.
أحد الفتيان تمتم:
"انظر… هذا هو كورماستون المجنون."
رد الآخر:
"قالوا إن عائلته أنقذته من الإعدام… لكنهم لا يستطيعون إنقاذ سمعته."
**
تابع ديفد سيره دون أن يرد.
كان يرى الكراهية في العيون، والخوف في الخطوات.
(عليّ أن أبدو كديفد الأصلي… لا كشخص يحاول التوبة.)
لكن داخله، كان عقله يحلل… يحصي كل شخصية، كل علاقة، كل حدث.
**
عند زاوية الممر، لمح وجهًا يعرفه.
فتاة نحيلة، شعرها قصير، عيناها رماديتان.
كانت تقف وحيدة، تقرأ كتابًا قديمًا عن نظرية تفكك المانا.
تذكرها فورًا.
ليلى برين.
شخصية هامشية في روايته. في الأصل، تموت في الفصل العاشر بسبب انفجار غير مقصود في المختبر.
لكنها قبل موتها، كانت تمتلك موهبة تحليل نادرة جدًا، تصنيف C، تسمح لها بتمييز نوع المانا من النظرة الأولى.
(ليلى… ربما يمكنني استخدامك.)
لكنه لم يقترب.
ليس الآن.
**
مرّ بجانبها ببطء.
وهي لم ترفع رأسها.
لكنه سمعها تهمس:
"الكوارث تمشي على قدمين هذه الأيام."
تجمد لثانية.
ثم تابع طريقه.
**
قبل أن يدخل ساحة التدريب، توقف في الظل، استند إلى الجدار الحجري، وأغمض عينيه.
(هنا… سألتقيهم.)
ليون، أليسا، كاين…
ثلاثة من أقوى الشخصيات في الرواية.
(وكل واحدٍ منهم… كتبته ليكرهني.)
أخذ نفسًا عميقًا.
ثم تمتم:
"يجب أن أكون ديفد."
"يجب أن أكون كاذبًا، مخيفًا، وغامضًا."
"لكن دون أن أخطئ… وإلا انكشف كل شيء."
**
فتح عينيه.
.ودخل إلى الساحة